حصاد الحريات.. 2022 "عام الجوع" الأكثر انعداماً للأمن الغذائي والأسوأ منذ 40 عاماً
حصاد الحريات.. 2022 "عام الجوع" الأكثر انعداماً للأمن الغذائي والأسوأ منذ 40 عاماً
من حقوق الإنسان الأساسية، الحق في الحصول على غذاء كافٍ يكفل له صحة بدنية ونفسية، وفردية وجماعية، مُرضية وكريمة وبمنأى عن الخوف.. لكن وعلى مدار عقود، واجه العالم أزمة غذاء تسببت في موت كثيرين، وهو ما تعتبره الأمم المتحدة عارا على البشرية.
واستطاعت محاولات الإنقاذ المستمرة من جهات عدة تجاوز منطقة الخطر، إلا أنه خلال عام 2022، انخفضت نسبة نجاح تلك المحاولات، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية، ما تسبب في أزمة عالمية دفعت الملايين إلى الفقر المدقع، وفاقمت من أزمة الجوع وسوء التغذية.
ووفق تقرير الجوع الصادر عن الأمم المتحدة، لا يزال ما يصل إلى 828 مليون شخص يعانون من الجوع.
وبين عامي 2019 وحتى 2022، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية إلى 150 مليونا، وعلى إثر ذلك، دعت الأمم المتحدة، في تقرير مشترك صادر عن برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، إلى ضرورة اتخاذ إجراءات إنسانية عاجلة في 20 دولة اعتبرتها بؤرا ساخنة للجوع في العالم.
ومن المتوقع ارتفاع عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد ويحتاجون إلى مساعدة عاجلة إلى 222 مليون شخص في 53 بلدا وإقليما، وذلك وفقا لتقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي.
ووفقًا لوثيقة صادرة عن صندوق النقد الدولي، فإن هناك حاجة إلى إنفاق ما يتراوح بين 5 و7 مليارات دولار لمساعدة الأسر الأكثر احتياجا في 48 بلدا هي الأكثر تضررا من ارتفاع أسعار واردات المواد الغذائية والأسمدة.
وثمة حاجة إلى مبلغ إضافي قدره 50 مليار دولار، للقضاء على انعدام الأمن الغذائي الحاد.
ووفقا لتقرير للبنك الدولي، تسببت جائحة فيروس كورونا في انتكاسة كبيرة في جهود الحد من الفقر في العالم، كذلك أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة بسبب الصدمات المناخية والصراعات إلى توقف الانتعاش والنمو الاقتصادي لدى الكثير من دول العالم.
وبحسب محللين، فقد تفاقمت أزمة الغذاء العالمية لعدة أسباب، منها تزايد عدد القيود المفروضة على تجارة الغذاء التي تضعها البلدان بهدف زيادة الإمدادات المحلية وخفض الأسعار، وحتى 7 نوفمبر 2022، طبق 20 بلداً 24 قراراً لحظر على تصدير المواد الغذائية، وطبقت 8 بلدان 12 إجراءً للحد من الصادرات.
“جسور بوست” ترصد حصاد 2022 حول الجوع والأمن الغذائي بالعالم
ارتفاع الأسعار.. أسباب ونتائج
في تقرير له حذر البنك الدولي، من أن أسعار الأغذية والطاقة التي ارتفعت بقوة بسبب الحرب في أوكرانيا قد تظل مرتفعة حتى نهاية عام 2024.
وقال في بيان له خلال شهر أكتوبر الماضي، إن "الحرب في أوكرانيا تسبّبت بصدمة كبيرة في أسواق السلع الأساسية وغيرت نمط التجارة في العالم".
وأوضح البنك الدولي، أن صدمات الأسعار العالمية للغذاء والوقود من المنتظر أن تستمر على الأقل حتى نهاية 2024 وأن تزيد من خطر ركود تضخمي، منوها بأن العالم يواجه أكبر صدمة لأسعار السلع الأولية منذ عقد السبعينيات في القرن الماضي.
وفي عام 2022، ارتفعت أسعار القمح والذرة بنسبة 5% و19% على الترتيب، ومرة أخرى بـ25% و29% على الترتيب عما كانت عليه في 2021، وظل الأرز مستقرا بشكل ملحوظ، وكانت أسعار الأرز أعلى بنسبة 10% على أساس سنوي، لكنها تقل بنسبة 14% عما كانت عليه في يناير 2021.
ويتوقع محللون أنه وعلى الرغم من انخفاض أسعار الغذاء العالمية منذ ذروتها في إبريل الماضي، فإن مخاطر متعددة تهدد الاتجاه النزولي للأسعار.
فعلى سبيل المثال، من الممكن أن تؤدي الاضطرابات المستقبلية في الصادرات من روسيا أو أوكرانيا وزيادة أسعار الطاقة إلى ضغوط تصاعدية على أسعار الحبوب والزيوت الصالحة للأكل.
وقد يخلق التضخم وزيادات أسعار الفائدة أيضا مخاطر على أسعار السلع الأولية، ما يخلق ضغوطا تصاعدية على تكلفة العمالة والمواد المستخدمة في إنتاج وتخزين ونقل السلع الأولية.
وقد تؤدي أنماط الطقس المناوئة إلى تعطيل الإنتاج الزراعي، ما يزيد من الأزمة في الأسواق الزراعية.
ففي أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا، تصاعدت السياسات المتصلة بالتجارة التي تفرضها البلدان.
لئلا يموتون جوعاً
وكمحاولة للإنقاذ، وضع برنامج الأغذية العالمي لعام 2022 خطة تعطي الأولوية للعمل على الحيلولة دون تعرض الملايين للموت جوعا والعمل في الوقت نفسه على تحقيق الاستقرار، وبناء أنظمة غذائية وطنية وسلاسل إمداد قادرة على الصمود.
وفي عام 2022، زاد برنامج الأغذية العالمي من مساعداته بمقدار 6 أضعاف في سريلانكا استجابة للأزمة الاقتصادية، وأطلق استجابة طارئة للفيضانات في باكستان، ووسع العمليات إلى مستويات قياسية في الصومال بينما تلوح المجاعة في الأفق.
ووفقًا لتقارير عالمية، ففي أفغانستان، حصل 2 من كل 5 أفغانيين على دعم من برنامج الأغذية العالمي.
وأطلق برنامج الأغذية العالمي عملية استجابة للحالات الطارئة في أوكرانيا، وافتتح مكتبا جديدا في مولدوفا لدعم الأسر الفارة من النزاع.
ومع ارتفاع تكلفة توفير المساعدات وزيادة الفترات الزمنية اللازمة لذلك، يواصل برنامج الأغذية العالمي تنويع قاعدة مورديه، بما في ذلك تعزيز المشتريات المحلية والإقليمية، كما قام البرنامج بتوسيع نطاق استخدام التحويلات النقدية لتقديم المساعدة الغذائية بأكثر الطرق كفاءة وفاعلية من حيث التكلفة في مواجهة هذه التكاليف المتزايدة.
وتمثل التحويلات النقدية الآن 35 في المئة من مساعداته الغذائية في حالات الطوارئ.
وتمكن البرنامج من تأمين مبلغ 655 مليون دولار أمريكي من المساهمات واتفاقيات تقديم الخدمات من المؤسسات المالية الدولية لدعم أنظمة الحماية الاجتماعية الوطنية، وتُبذل جهود مماثلة لتوسيع الشراكات المبتكرة بشأن التمويل الخاص بالمناخ.
حذر برنامج الأغذية العالمي في بداية عام 2022، من أن 13 مليون شخص في القرن الإفريقي يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد بسبب الجفاف.
وبحلول منتصف العام، وبعد الحرب الأوكرانية التي استحوذت على اهتمام الجهات المانحة الدولية ورفع أسعار المواد الغذائية والوقود، ارتفع هذا العدد إلى 20 مليونا، بحسب البرنامج.
وتعهدت الولايات المتحدة بتقديم 1,2 مليار دولار من المساعدات الغذائية للمساعدة في تجنّب المجاعة في القرن الإفريقي وحثّت الدول الأخرى، بما في ذلك الصين، على بذل مزيد من الجهود لمواجهة أزمة الغذاء التي تفاقمت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا
تدابير البنك الدولي
في إطار استجابة عالمية شاملة لأزمة الأمن الغذائي القائمة، أتاحت مجموعة البنك الدولي ما يصل إلى 30 مليار دولار على مدى 15 شهرًا في مجالات مثل الزراعة والتغذية والحماية الاجتماعية والمياه والري.
ويشمل هذا التمويل جهودًا لتشجيع إنتاج الأغذية والأسمدة، وتعزيز أنظمة الغذاء، وتسهيل زيادة التجارة، ومساندة الأسر والمنتجين الأكثر احتياجًا.
وبحسب تقرير للبنك الدولي، يهدف مشروع بقيمة 125 مليون دولار في الأردن إلى تدعيم تنمية قطاع الزراعة من خلال تعزيز قدرته على الصمود في وجه تغير المناخ، وزيادة القدرة التنافسية والشمول، وضمان الأمن الغذائي على المدى المتوسط إلى الطويل.
ووفقًا للتقرير، هناك مشروع بتكلفة 300 مليون دولار في بوليفيا سيسهم في زيادة الأمن الغذائي، والنفاذ إلى الأسواق، واعتماد ممارسات زراعية مراعية للمناخ.
وبحسب التقرير، فقد حصلت تشاد وغانا وسيراليون على قرض بقيمة 315 مليون دولار لزيادة استعدادهم لمواجهة انعدام الأمن الغذائي وتحسين قدرة أنظمتها الغذائية على الصمود في وجه التحديات.
وتم تدشين مشروع طارئ لدعم الأمن الغذائي والقدرة على الصمود بقيمة 500 مليون دولار لتعزيز جهود مصر لضمان استمرار حصول الأسر الفقيرة والأكثر احتياجاً على الخبز، والمساعدة في تدعيم قدرة البلاد على الصمود في وجه أزمات الغذاء، ودعم الإصلاحات التي ستساعد على تحسين نواتج التغذية.
وقدم البنك قرضا بقيمة 130 مليون دولار لتونس بهدف الحد من تأثير الحرب في أوكرانيا، من خلال تمويل واردات القمح الليّن الحيوية وتقديم دعم طارئ لتغطية واردات الشعير لإنتاج الألبان والبذور لصغار المزارعين لموسم الزراعة القادم.
ويساعد برنامج تعزيز قدرة أنظمة الغذاء على الصمود في شرق إفريقيا والجنوب الإفريقي بتكلفة قدرها 2.3 مليار دولار بلدان المنطقتين على زيادة قدرة نظمها الغذائية على الصمود في وجه التحديات، وقدرتها على التصدي لتزايد انعدام الأمن الغذائي.
وسيعزز البرنامج أيضًا الاستجابة المشتركة بين الوكالات لأزمة الغذاء، وكذلك الجهود متوسطة وطويلة الأجل لتحقيق الإنتاج الزراعي القادر على الصمود، والتنمية المستدامة للموارد الطبيعية، وتوسيع نطاق النفاذ إلى الأسواق، وزيادة التركيز على قدرة أنظمة الغذاء على الصمود في وجه الصدمات في وضع السياسات.
وفي مايو، شاركت مجموعة البنك الدولي ورئاسة مجموعة السبع في اجتماع التحالف العالمي للأمن الغذائي بهدف تحفيز الاستجابة الفورية والمنسقة لمواجهة أزمة الجوع العالمية المتواصلة.
وأصدر رؤساء منظمة الأغذية والزراعة وصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة التجارة العالمية بيانا مشتركا ثانيا بشأن الأزمة العالمية للأمن الغذائي والتغذية، يشير إلى إحراز تقدم كبير في المجالات الرئيسية الأربعة: تقديم الدعم الفوري للفئات الضعيفة، وتيسير التجارة والإمدادات الدولية من الأغذية، وتعزيز الإنتاج، والاستثمار في الزراعة القادرة على الصمود أمام تغير المناخ.
أمن غذائي مهدد
وعلق عضو منظمة الفاو، نادر نور الدين، بقوله، إنه ثمة عوامل تؤثر على الأمن الغذاء، تأثرت جميعها في 2022، أولها أزمة الطاقة وارتفاع أسعار البترول إلى 90 ثم 120 دولارا، ما أثر على الإنتاج الزراعي.
وأشار إلى أن 33% من أدوات إنتاج الغذاء تعمل بالطاقة مثل مصانع الكيماويات والري، ثم جاءت أزمة روسيا وأوكرانيا والتي تتحكم في نحو 34% من صادرات الغذاء في العالم على رأسها القمح والذرة الصفراء والشعير وزيوت الطعام بمختلف أنواعها بالإضافة إلى 17% من الأسمدة النيتروجينية، ما تسبب في انخفاض إنتاجية إفريقيا من 30 إلى 50%، إلى جانب 40% من الغاز الطبيعي المصدر إلى أوروبا والذي تعتمد عليه في إنتاج المواد الغذائية.
وتابع: وبناء عليه كان من تداعيات نقص كمياته في أوروبا أثر بالغ على الأمن الغذائي، كما أدى فرض الحظر لمدة 3 أشهر -حيث لم تخرج سفن الغذاء من روسيا أو أوكرانيا- إلى تفاقم مشكلة الغذاء عالميًا، فبعدما كان القمح بـ250 دولارا وصل إلى 500 دولار وكذلك تضاعف ثمن الشعير.
وأضاف نور الدين في تصريحاته لـ"جسور بوست"، أن التغيرات المناخية أثرت على دول كثيرة منها القرن الإفريقي الذي أصيب بالجفاف نتيجة لتراجع معدلات الأمطار في الصومال وجيبوتي وجنوب إثيوبيا، في مقابل ضرب السيول والفيضانات السودان وإنجلترا وشرق ألمانيا، هذه الاضطرابات الجوية أثرت على الإنتاج الغذائي.
وأشار عضو منظمة الفاو، إلى أن هذه الأسباب هي ما حذرت منه منظمة الأغذية والزراعة من أن 440 مليون فرد في العالم أصبحوا تحت تهديد المجاعات الجماعية، وبعضهم دخل أسفل دائرة الجوع وبعضهم تحت طائلة الفقر.
وقال إن الفرق بين الفقر والجوع، هو أن المواطن يستطيع مع الفقر استكمال سعراته الحرارية، ولكن من مصادر رخيصة نباتية غير الحيوانية من البقوليات والخضروات، ولكن مع الجوع لا يستطيع فعل ذلك، ولو من مصادر رخيصة نباتية، وتعتبر الأمم المتحدة إصابة إنسان بالجوع أو تقزم الأطفال أو إسقاط الحوامل والإصابة بالأمراض المعدية خاصة المتناقلة من خلال المياه والمنتشرة بسبب المجاعات عار على الإنسانية.
وعن تأثير ذلك على الإنسان، أكد الدكتور نور الدين، أن الملايين من البشر تأثروا بشدة خاصة بداية من شهر فبراير وحتى نوفمبر الماضي، حيث اضطروا إلى التخلي عن نصف احتياجاهم من الغذاء ما أثر على مستواهم الغذائي وتسبب في سوء التغذية وتداعياتها، كذلك تسبب ارتفاع أسعار الطاقة في رفع فواتير الكهرباء، حتى في أوروبا ازداد عدد من يلجؤون إلى بنوك الطعام.
وعن الإجراءات التي تم اتخاذها لمواجهة أزمة الجوع، قال نور الدين، إن الأمم المتحدة تدخلت بشكل قوي وراعت اتفاق الحبوب بين روسيا وأوكرانيا في إبريل من عام 2022، وتم توقيع اتفاقية مدتها 4 أشهر للسماح بتصدير الغذاء بمختلف أنواعه من 3 موانئ في أوكرانيا وأيضًا عودة القمح الروسي إلى الأسواق، وبمجرد توقيع هذا الاتفاق تراجعت الأسعار، وعندما انتهت المدة في نوفمبر الماضي مرة أخرى وافقت الأمم المتحدة على التمديد لمدة 4 أشهر إضافية، في مقابل التعهد بالسماح بتصدير الأسمدة الروسية وسماح الأمم المتحدة أيضًا برفع الحظر عن البنوك الروسية.